في كل عام تحتفي مصر بحدث هام جدًا هو.. معرض القاهرة الدولي للكتاب، الذي يتسابق الكثيرون لزيارته من شتي بقاع مصر والعالم، ورغم إقامة المعرض لمدة أسبوعين، إلا أن العديد من أبناء المحافظات لا تتاح لهم فرصة الذهاب إلى العاصمة لحضور فعاليات المعرض وشراء الكتب المختلفة.
بعد انتهاء معرض القاهرة، تطلق (الهيئة المصرية العامة للكتاب) عدة معارض محلية في محافظات مختلفة، أبرزها هو معرض دسوق والشيخ زايد ودمنهور، أكبرها -بالطبع- معرض الإسكندرية، وفي الحقيقة لا يعلم الكثيرون بمواعيد هذه المعارض، مثلما حدث معي عندما عرفت بالخبر من أحد الأصدقاء القاهرين وأنا من أبناء المحافظة التي يقام فيها معرض الكتاب في دسوق، ربما يرجع السبب إلى وجود عدة صفحات على فيسبوك باسم الهيئة العامة للكتاب، فلا تدري أيهم يُنشر بها الأخبار، وقد يعود السبب الأهم إلى عدم الدعاية الكافية.
يبدأ معرض دسوق للكتاب في الأول من مارس ويستمر لمدة عشرة أيام، اخترت أنا زيارته في اليوم الرابع حتى أتجنب زحام الطريق والمواصلات خلال أول الأسبوع، خاصة أنني سأذهب أولًا من مدينتي بلطيم إلي موقف المحافظة بكفر الشيخ، ومنها إلي مدينة دسوق التي تبعد عن المحافظة سوى الـ 45 دقيقة، وصلت إلى دسوق في التاسعة والنصف أي قبل افتتاح المعرض بنصف ساعة.
يقام المعرض بالحديقة الخلفية لمجلس مدينة دسوق، أي أنك ستجلس علي كورنيش النيل تستمتع بالمنظر الرائع للنيل ومراكب النزهة، ولمن لا يعرف.. فدسوق تقع علي احد فرعي النيل “فرع رشيد”، فمن موقعك علي الكورنيش ترى جزيرة الرحمانية، أو الجزيرة كما يطلق عليها ابناء البلد وهي جزيرة في وسط النيل تتبع محافظة البحيرة، لكنها الأقرب لدسوق وكانت هناك مطالب عدة بانضمامها إلى دسوق، بل كانت هناك مطالب بانفصال دسوق والرحمانية عن محافظتيهما واستقلالهم باسم محافظة وادي النيل، عرفت ذلك إثر دردشة بيني وبين أحد رواد المعرض جلس بجواري، وهو شاب في الصف الثاني الثانوي والذي أخبرني ضمن حديثه معي أن المدرسة قد قررت عمل رحلة للطلاب للمعرض، وهذه كانت بادرة جيدة جدًا لتشجيع الطلاب علي القراءة.
عندما دقت الساعة العاشرة ذهبت لبوابة المعرض لكن المسئولون ردوا بأن البوابة ستفتح في الساعة الحادية عشر بالرغم من أن المنشور علي صفحة الهيئة العامة لكتاب الخاصة بالمعارض المحلية كتب عليها أأن مواعيد المعرض من العاشرة صباحًا، رجعنا ثانية نجلس علي كورنيش النيل نتحدث عما سوف نقوم بشرائه من المعرض، انضمت إلينا سيدة خمسينية كانت قد عرفت بالمعرض من زميلتها بالعمل، ومع مرور الوقت كان زوار المعرض يتوافدون ويسألون المسئول على البوابة، ثم يتبرمون بالمواعيد المكتوبة بالخطأ ثم لا يجدون بد من الجلوس علي الكورنيش في انتظار أن تُفتح الأبواب.
في الحادية عشر صباحًا تم الإفراج عن قفل البوابات، دخلنا لنفاجأ بالمسئولين يعلنوا عدم إمكانية دخول قاعة العرض بعد نصف ساعة لأن الناشرين لم يأتوا بعد؟!
كان هناك بالطبع شبة خناقة صغيرة من بعض زوار المعرض فهناك من أتى من مكان بعيد مثلي، أو من أخد إذن بساعة واحدة من العمل وقد ضاع نصفها بالفعل، ومنهم طلاب لديهم مواعيد دروس خصوصية.. إلخ.
رق أحد المسئولين لحالنا وقال أن هناك بعض الناشرين بالفعل، وسيتم افتتاح قاعة العرض بالناشرين الموجودين، بالطبع كان في صدارتهم القاعة الهيئة المصرية العامة للكتاب، وكان الجميع يسأل عن موسوعة شخصية مصر التي لم تكن موجودة، لكننا عثرنا على الكثير من العناوين المختلفة التي جذبت الزائرين.
لاحظت تباين شديد في توجهات زوار المعرض، هناك من تحلقوا حول إصدارات الهيئة العامة للكتاب، بينما يسأل الكثيرون عن كتب العرّاب أحمد خالد توفيق أو روايات الرعب التي أصبحت ظاهرة في مصر بشكل كبير.
معظم زوار المعرض الذين تحدثت معهم عرفوا بموعده ومكانه مصادفة من أحد الأصدقاء/ زملاء العمل، وهذا يؤكد أنه لم تكن هناك دعاية أو ترويج كافي للمعرض، ولا أعلم السبب، بالرغم من إقبال الناس على شراء الكتب والاهتمام بزيارة المعرض خصوصًا لمن لم يكن لديهم الفرصة للذهاب لمعرض القاهرة، فكل من قابلتهم وتحدثت معهم بلا استثناء لم يذهبوا هناك ولا مرة، الغريب أنني في حديثي مع مسئولة الجناح المخفض للهيئة العامة للكتاب علمت أن معرض دسوق للكتاب يقام للمرة السابعة منذ أعوام وأنه من المعارض المميزة وكل عام يزيد فيها عدد الدور المشاركة في المعرض، علي سبيل المثال.. شارك هذا العام -بجانب الهيئة العامة للكتاب- الهيئة العامة لقصور الثقافة، دار عصير الكتب، كيان للنشر والتوزيع، دار إبداع، دار الرسم بالكلمات، وغيرها. بينما لم يشارك المجلس الأعلى للثقافة لأسباب غير معلنة؟!
وفي مقارنة سريعة لمعرض دسوق بمقابل معرض القاهرة سنجد أنها مقارنة مجحفة من حيث المساحة وعدد دور النشر وعدد الكتب والعناوين، فمعرض دسوق يقام علي مساحة صغيرة جدًا بمقابل معرض القاهرة لكنه بالرغم من ذلك فهو مناسب جدًا للفئة السكانية والمكانية الموجهة له، لا توجد تذاكر دخول للمعرض كمعرض القاهرة، ليس هناك ندوات او عروض فنية سوي يوم الافتتاح فقط، والذي أحيته فرقة كفر الشيخ للفنون الشعبية، لكن يقام بعض الندوات والأمسيات الشعرية.
في زيارتي لمعرض القاهرة للكتاب، كان هناك زحام كبير جدًا في جناح الهيئة العامة للكتاب فلم أستطع شراء أي شيء، وكانت هذه فرصتي في معرض دسوق للاستمتاع بهدوء الجناح مقارنةً بزحام جناح القاهرة وتصفح العناوين بمزاج رائق، وشراء عناوين بعينها من الاصدارات الجديدة للهيئة وتصفح عناوين قديمة أخرى، المفاجأة بالنسبة إليّ كانت في الجناح المخفض للهيئة العامة للكتاب الذي يوجد به كل قديم الكتب ولا تزيد الأسعار فيه عن خمس جنيهات!! وقتها قلت لنفسي لماذا لا تُستغل هذه الكتب القديمة في منافذ للهيئة في المحافظات، أو حتى علي شكل أكشاك بالمدن التي تخلو من منافذ مثل دسوق.
مسئولي دور النشر داخل معرض دسوق، كانوا ودودين جدًا جدًا، عكسهم تمامًا في معرض القاهرة، وقد يرجع السبب إلى زحام معرض القاهرة مقارنة بهدوء معرض دسوق.
نظرت في ساعتي وجدت أنها تجاوزت الثانية ظهرًا، أي أنني أتجول في المعرض منذ ثلاث ساعات وهي مدة قد يعتبرها البعض كبيرة جدًا بمقابل مساحة المعرض الصغيرة، لكنها كانت ساعات جميلة جدا وسط الكتب، نظرة سريعة لزوار المعرض جعلتني أقول بصوت عالٍ: “ويقولون أن المصريين لا يقرأون؟”، فإن كانت هناك إحصائية تقول أن المصريين هم أقل الشعوب قراءة للكتب، فكل يوم وكل رحلة لمعرض الكتاب تؤكد أن هذه الإحصائية خاطئة جدًا. توجد شريحة قارئة لا بأس بها في مصر، كما قالت لي طالبة ثانوي عامة (علمي- علوم) والتي كانت قد اشترت كتب خاصة بالعلوم والتشريح، وأيضًا روايات للدكتور أحمد خالد توفيق والعديد من روايات الرعب، نافية عنها وعن جيل كامل شبهة عدم القراءة وبعبع الثانوية العامة الذي يجعل الطلاب يعزفون عن أي هوايات أو نشاط آخر.
انتهت رحلتي لمعرض الكتاب المحلي بـ دسوق بعدما قابلت شخصيات مختلفة من عاشقي القراءة، وبقي سؤال يدور في ذهني وذهن الكثيرون:
– لماذا لا تستغل الهيئة المصرية العامة للكتاب الأعداد الهائلة المخزنة في مخازنها لعمل معارض طوال العام بشكل متواز في المحافظات، مانحة لأبناء المحافظات منبع يتنفسون به القراءة؟ ويبقي السؤال بلا إجابة.
رحاب صالح
7 مارس 2020م