الأربعاء، 20 ديسمبر 2017

فجر ....

أرتدت فستان بسيط اسود اللون فقال لها زوجها أنه غير مناسب للحفل ...ثم اختار لها فستان ازرق ليلكي عاري الظهر والكتفين وأمرها ان تبدل ثيابها ... 
لابدأن يكون كل شيء ذا مقدار مناسب...الثوب ...المكياج ...الحذاء عالي الكعبين...الحقيبة المناسبة للحفل...حتي الإبتسامة ..لابدأن تتدرب عليها لترسمها علي شفتيها طوال الوقت تستقبل بها الضيوف وتكلمهم  بها 
تمثيل..كل شيء تقوم به ليس إلا محض تمثيل...
ثوبها الذي يلتصق به تكرهه...عقد اللؤلؤ يخنقها...سوارها كأنه قيد...ابتسامتها .......عطرها.....كلامها ....زيف..زيف..
ماذا حدث...؟ 
تسأل نفسها...؟! أليس هذا اختيارها ..؟!
تهز رأسها بعنف كأنها تنفض هواجسها بعيداً عن رأسها...
تتسع ابتسامتها ...تسلم خدها لأحدهم يقبله بإعجاب...بينما أخر يلتقط يدها مودعاً إياها بقبلة تقدير ...
تتأفف في داخلها ...لكن لا تظهر تأففها لمن حولها...
ماذا حدث..؟ ألم يكن هذا اختيارها...؟!
تشعر بالنعاس ...الحفل مازال في بدايته...تبحث عن زوجها  بعينيها ...تجده مع ثله فاتنات إحداهن ارتكنت بكتفها علي كتفه...بينما يدها تحيط خصرها بهدوء حازم...
لا تجد داخلها شعور بالغيرة ...بل تجد شعوراً اخر ...
امتعاض ...تقزز...
يمر الساقي بجوارها...تتناول كأساً...تشربه دفعة واحدة ...يحرق حلقها السائل الناري ...لكن احتراق داخلها أقوي...
لماذا التأفف والإمتعاض ...؟! ألم يكن هذا اختيارها...؟!
نظرت في ساعتها الماسية كان الوقت مازال مبكراً علي الرحيل ...لكنها مّلت من  كلامها ..ضحكها.....ابتسامتها... تملقها ...تمثيلها ...كذبها...
يا الله ...لماذا فعلت بنفسي هكذا...؟!
ولكن...ألم يكن هذا اختيارها....؟!
كانت تدور كطائر مذبوح ....تبحث عن وجهه الغائب في وجه من حولها ...فلا تجد من يشبهه...تبحث في أفعاله عمن حولها ...فلا تجد من يفعل مثله...تبحث عن دفء صوته ...فلا تجد...لا شيء لا شيء لا شيء...
تغمض عينها علي صورة كانت احتفظت بها له تحت جفونها تظللها رموش سود...لكنها ...يا للأسف سالت ظلال الجفون الملونة علي صورته المخبأة بجفونها فانطمست صورته .... بحثت بين الجفون وتحت الرموش...بحث في قلبها في عقلها...انمحت صورته تماما ... يا الله كيف لي أن انسي ملامحه...كيف...؟!
صوخ قلبها ...أي ربي ...أي ذنب فعلت  لتعاقبني بنسيان ملامح من أحببت...
نظرت لساعتها الماسية ...يا ألهي إن الوقت لا يمر...الساعة توقفت عن الدوران ...الزمن لا يمر.....
بحثت عن زوجها ...لم تجده....نظرت حولها فلم تجد أحد يهتم بها ....تنهدت في ارتياح ثم خرجت ...
استقلت سيارتها  وقادتها لا تلوي علي شيء سوي الابتعاد عن صخب  المعركة الدائرة بين قلبها وعقلها...
قادت السيارة بلا هدف ...مر الوقت ولا تدري كم من الوقت مر...
كانت قريبة من شاطيء البحر الأن ...اوقفت السيارة ونزلت منها لتقف علي حافة الشاطيء...كان الموج يضرب صخور البحر بهدوء 
تمنت لو تلقي بنفسها لأمواج البحر ......تترك نفسها للموج يذهب بها بعيدا أينما شاء...تترك نفسها لعبراتها المخنوقة لتمتزج ملوحتها بملوحة ماء البحر  حتي تنتهي الدموع...
حاولت البكاء فلم تستطع...
اختنقت ولم تبكِ.... 
ضربت موجة غاضبة الصخر..كأنها قلبيها الممزق...
تناثر رذاذ الماء وأصاب كتفها العاري فسرت قشعريرة باردة في جسدها تنبهها أنها خرجت من الحفل بدون معطفها...
شعرت بالبرد رغم اعتدال الجو...
تذكرت الغائب الذي لو كان موجود لدفئها بيديه...
هزت رأسها ورفت وجهها للسماء قائلة في صمت...لماذا فعلت هذا...؟
طأطأت رأسها بخجل...من نفسها خجلة...لأنها تعرف لماذا...!
كانت النجوم تتلألأ في السماء ...والهواء عليل ...اطلقت شعرها  ليفترش ظهرها كأنها تعيد الزمان ...
لفت زراعيها حولها كأنه يحتضنها...أرجعت خصلة من شعرها تمردت علي عينها كأنها تنتظر قبلته الدافئة...لكن...لا شيء
استندت علي سيارتها لا تعرف ماذا تريد أن تفعل ...تريد أن تبكي ولا تستطيع...تريد أن تصرخ بألم ولا تستطيع ...تريد تذكر ملامحه...ولا تستطيع...
يا الله ألن ينتهي هذا العذاب......!
أطل القمر بنوره الليلكي ليذكرها بأنها كل شهر بنفس الموعد تصيبها تلك الحالة ..كأنها ملعونة ...ممسوسة...ملموسة ...
ولا تنتهي اللعنة إلا بطلوع الشمس...
نظرت لساعتها الماسية لتري كم بقي لظهور الشمس...
وقبل أن تري...كان أذان الفجر ينطلق من مسجد قريب....
بدون وعي استقرت في مقد سيارتها وانطلقت إلي المسجد...
تري من خلال الباب المفتوح ألوان شتي من الرجال .... عيونهم خاشعة ....يركعون...يسجدون...يقرأون القرآن....يدعون ويتضرعون 
تدعو معهم ...يا ألله ...ألن ينتهي هذا العذاب...
تنتهي الصلاة ويخرج الناس...تتفقد وجوههم للعلها تري وجه غابت ملامحه عنها....
لا تري ...لا تراه....
نظرت مرة أخري ف المسجد , كان هناك  بعضهم مازلت يسبح بحمد ربه...يبتهل....يتضرع بالدعاء...
أحدهم كانت جبهته علي سجادة صلاة ...عيونه مغمضه......شفتيه تتحركان بالدعوات ....قلبه يدق ...يدق...يدق...تسمع ضربات قلبه...يا الله دعه يفتح عينه...دعه يرفع وجهه...دعه ينظر للخارج...
كيف تعرف أنه هو...
رفع وجهه ......فتح عينيه....سلم...صافح من بجواره...
نظر خارج المسجد...ابتسم ...
خرج ....
ابتسمت هي ...همت بفتح الباب لتخرج لملاقاته بابتسامة متلهفة... 
خرج هو بابتسامة محبه مشتاقة....جري نحوه طفل ذو أربع سنوات ليتواري في حضنه ....
يمسك يده ويسير بمحاذاة المسجد....
تتوقف هي لا تخرج من السيارة ....
 الفجر يفترش الأرض بنوره الليلكي...  ...
تعود هي لسيارتها ....قصرها....حفلتها...ابتسامتها....عطورها...مكياجها...عالمها الزائف...الذي اختارته
بينما يسير هو وطفله نحو ضوء الشمس ....تعود هي لظلام اختارته بنفسها....


رحاب صالح 
الأربعاء 20/12/2017

هناك 7 تعليقات:

  1. الردود
    1. ميرسي جدا
      ده من زوقم يا افندم والله
      نورت مدونتي

      حذف
  2. حلوة يا رحاب
    بس كتير ممن يختار تلك الحياة لا ينظر للوراء :)

    ردحذف
    الردود
    1. وجهه نظر
      بس انا بنقل تجربة شوفتها مع لمساتي

      حذف
  3. منمقة أكتر من اللزوم

    ردحذف
  4. مممم يبقي انا معرفتش اوصل للي انا عاوزة اقوله 😑

    ردحذف
  5. نص رائع رائع بحق
    لا اتحدث عن اللغة والصور البليغة والحروف المنتقاه بعناية فقط
    بل الاثارة والتشويق للقرارات الخاطئة التي قد تبدو وقتها انها الانسب والاصلح بمقياس العقل والمنطق ، ولكن طالما كان القلب نابضا يظل فرار الامس سوط قاسي وجلاد لا يرحم

    تحياتي

    ردحذف

يا بخت من يقدر يقول واللي ف ضميره يطلعه, يا بخت من يقدر يفضفض بالكلام وكل واحد يسمعه....الله يرحمك يا صلاح جاهين