الجمعة، 6 يوليو 2012

براءة من كان طفلا....1

1
براءة لم تعد ممكنة...

كنت اجلس مع الطالبات في ساحة المدرسة  ....
يطلبون مني بإلحاح أن أغني لهم فقد سمعوني من قبل أغني  ...
ولكي اتهرب منهم قلت لهم " لا أستطيع الغناء الان  ...لا يحضرني سوي اغنية بالانجليزية لن تفهموها " ولكنهم أصروا ان يسمعوها
وبدات أدندن باللحن والكلمات التي احفظها...
وبعد قليل آتي احد العمال ليقول لي " معلش يا استاذة ممكن حضراتكم تتنقلوا الناحية الاخري لآننا سنعمل هنا ...؟"
قلت " لا توجد مشكلة  " 
وكان هذا عامل البناء الذي يبني احواض الزهور في حديقة المدرسة 
واخذت الفتيات  وذهبنا للجانب الاخر من حديقة المدرسة ....
ثم جائني اتصال هاتفي .... فانفضت الفتيات من حولي  وأخذن  يلعبن هنا وهناك ......
وبعد انتهاء المكالمة جلست وحدي اتابعهم ...
وعلي الجانب الاخر  كان الأولاد يطاردون كرة القدم  صارخين بين الحين والآخر ....مهللين لإحراز أحد الأهداف...
ولكن وسط كل هذا الصخب واللعب  وجدت مشهدا آخر ...
مشهدا عكر صفو ساحة اللهو والمرح وصيحات السعادة....
مشهد عامل بناء أحواض الزهور وغلامه الذي يساعده....
كان الصبي يقف بجوار عامل البناء يناوله الطوب والاسمنت ....وعينه كل لحظة علي الاولاد الذين يتصايحون ويتقافزون خلف الكرة ...ولحظات اخري يختلسها علي الفتيات في جريهن خلف بعضهن أو غنائهم  وضحكاتهم المتعالية ...أو قرائتهن لكتبهم المدرسية بصوت عال ....
والغريب أنه كان يجيد عمله جدا ولم يخطيء مرة أو يتقاعس ...
يناول البناء ...وينظر للكرة...للأولاد ...للفتيات..... للكتب المدرسية في ايدي الفتيات........للافتة المدرسة.......
لا أدري لما وقتها تذكرت قصة قصيرة قرأتها في صباي  لمبدع القصة القصيرة يوسف ادريس....
وبدون أن أشعر وجدت نفسي  أسير نحو الصبي وأقف بجواره وأتحدث معه....
" هل أنت  بهذا العمل منذ مدة طويلة...؟"
فكان الرد الذي توقعته " منذ تركت المدرسة .....منذ كنت في السابعة من عمري ....لم ابقي في المدرسة الا قليلا...."
وكان السؤال الاسخف مني " ولماذا ...؟"
فقال بطريقة آلية كأنه مر بهذا الموقف عشرات المرات " نحن أسرة كبيرة العدد ليس لها عائل فقد مات أبي  منذ سنوات ....وكان لابد من قتل كل الاحلام  حتي نستطيع العيش في هذا العالم ..."
وقبل ان اسأل سؤال أخر كان قال رفع رأسه وقال بتحدي " سأواجه الحياة أولا بطريقتها التي ترغمني علي فعل ما لا أحب ....ثم عندما أكون قد نلت منها ما يكفي سأواجهها كما كنت ابغي ..... 
وعاد لعمله  ولم يبالي بي ....
ولكن نظراته المختلسة لم تنقطع عن الكرة ولا الفتيات ولا الاولاد ولا............

خارج الاطار ...
عندما تقتل الاقدار احلامنا.....ولكننا نصر علي أن نحققها ذات يوم

هناك 14 تعليقًا:

  1. عندما تقتل الاقدار احلامنا معاكي - ولكن عندما تقتل الشلة الحاكمة الفاسدة احلامنا العيب مش علي القدر العيب علي ولي الامر الذي اوصل الكثير منا الي هذه الحالة
    حالة مليئة بالغضب والالم
    تقبلي مروري

    ردحذف
  2. احساس صعب ومؤلم حتى للمشاهد والتابع فقط رائعه جدا يارحاب

    ردحذف
  3. فاكر قصة يةسف إدريس اللي اشرتي ليها .. بتاعة البنت الصغيرة اللي كانت شايلة صيهية تقريبا وشافت عيال بتلعب

    الاحساس اللي مكتوبة بيه البوست دي اجمل ما فيها


    تسلم إيدك بجد

    ردحذف
  4. صباح الغاردينيا
    أصعب ماقد يحدث أن تسلب البراءة والطفولة
    الأحلام لا تموت والأمنيات لاتحتضر لكنها دائماً مؤجلة
    حتى تكف صفعات الحياة لنجد مساحة صغيرة تحتوينا وأحلامنا "
    ؛؛
    ؛
    لروحك عبق الغاردينيا
    كانت هنا
    Reemaas

    ردحذف
  5. مؤلمة جدا
    يارب نقدر نكون زى الطفل ده .. نواجه ويكون عندنا ارادة ونحقق أحلامنا فى يوم من الأيام
    تحياتى لابداعك

    ردحذف
  6. دوما الأقدار تجيد قتل الأحلام و نحن نسعى لتحقيقها رغم ذلك انه الاصرار على الحلم و الحياة
    رائعة يا رحاب

    ردحذف
  7. أنا بتقطع لما بشوف الأطفال و هما متمرمطين كده و لا بيتعلموا و لا بيلعبوا حقوقهم كلها مسلوبة في سنهم الصغير ده مابالك لما يكبروا؟
    بجد مش عارفه أقول غير حسبي الله و نعم الوكيل
    و يا رب القادم يكون أفضل
    عشان في فرق بين الحقوق و الأحلام
    مينفعش نحلم ناكل أو نلعب مينفعش

    تحياتي رحاب العزيزه

    ردحذف
  8. عندما تقتل الاقدار احلامنا.....ولكننا نصر علي أن نحققها ذات يوم
    فعلا المعاناه تخلق رجالا
    جميل ان يلفت نظرك من يستحق الالتفات والاهتمام
    فأنت تحملين قلب حنون
    تحياتي

    ردحذف
  9. رحاب دى اول مرة اقرأ فيها حاجه ادبيه ليكى بقي
    بعد الاسئله

    استمتعت بسردك جدا وعجبتنى نظرة الطفل للحياه هى الحياه فعلا تعاندنا جميعا ولكن قله منا من يتمسكون باحلامهم ويركضون معها محاوالين التغلب عليها :)

    تحياتى لكى

    ردحذف
  10. كل الناس البسيطة عندها الحكمة الجميلة دى

    بكرة جاى

    اتعلمتها من الفلاحين عندنا
    واتعلمت منهم الأمل

    تحياتى دوما

    ردحذف
  11. جميلة اوي حستها يا رحاب

    تعرفي اكتر حاجة فعلا بتوجعني لما اشوف طفل صغير نايم علي الرصيف او بيشتغل

    نفسي بلدنا تتعدل وتهتم بالناس دي

    ردحذف
  12. الاطفال دول بقتلوني
    بحس انهم مقتولين
    عايشين دور مش بتاعهم
    نظراتهم بتبقا قاتلة
    البوست اللي قبل ده جميل بحب البوستات اللي كده جدا
    بحس انها تدوينات حيوية

    ردحذف
  13. معبرة عن حال ناس كتير دلوقتي اقل حاجة اننا نبصلهم زيك بعين الرحمة
    و الاهم اننا في يوم نبصلهم بعين العدل
    تحياتي :)

    ردحذف
  14. بجد يا رحاب الموضوع دا اسرني جدا
    لانك طرحتيه بشكل مميز
    وحكاية الولد دا مش بتختلف عن الاف كتير غيره
    ولسه ياما هنقابل زيه كتير
    تحياتي

    ردحذف

يا بخت من يقدر يقول واللي ف ضميره يطلعه, يا بخت من يقدر يفضفض بالكلام وكل واحد يسمعه....الله يرحمك يا صلاح جاهين