الأربعاء، 11 يوليو 2012

براءة من كان طفلا....2

قسوة الايام.....




صغير .....نحيف....ضعيف البنية 
لوحت الشمس بشرته فأصبح اللون الأسمر هو لون وجهه وذراعيه وساقيه
حتي لون شعره أثرت الشمس فيه فأصبح لونا أسودا كالحا ...بعدما كان أسود فاحما 
كان وسط العمال كرجل صغير ...
أشفقت عليه جدا 
فكنت أذهب للعمال كل دقيقة بالمياه المثلجة أو العصائر 
كان الصبي يحمل اسياخ الحديد ويربطها ليقوم برفعها عامل أخر فوق سطح البيت 
كان الصبي يرفع الاسياخ الحديدة وعندما يرفعها الاخر فوق السطح ...يقف الطفل يأخذ راحة لدقيقة في الظل  ويمسح عرقه ويشرب شربة ماء 
رئيس العمال كان غليظ جدا...كان لا يعجبه أن الصبي يحمل اسياخ الحديد بعدد صغير بل كان يريد عدد أكبر  فصرخ في الصبي أن يحمل أسياخ مضاعفة ...وأن يكون مثل الرجال ....
فقال باستسلام " حاضر يا معلم "
وحمل عدد مضاعف من الاسياخ وحاول ربطها ورفعها فلم يستطع ....فصرخ فيه رئيس العمال " شيل كويس وخليك راجل ....احنا بنشتغل مش جايين نلعب "
تصبب الصبي عرقا وجهدا وهو يضاعف العدد ويحملها  ليجلبها ناحية الحبل ليربطها ويرفعها  للشاب الواقف فوق السطح ليشدها بسهولة ويرمي له الحبل مرة اخري ليعيد الكرة ...
حاول ان يحمل نفس عدد المرة السابقة  فصرخ فيه رئيس العمال أن  ضاعف العدد ....
وضاعف الصبي العدد وهو  يجاهد ليحمل الاسياخ  ناحية الحبل ليربطها ....
فجأة سقط الصبي  فقد ناء بحمله .....
فما كان من  رئيس العمال الا أن صرخ فيه لينهض لأستكمال عمله 
ولما قام الصبي  وحاول حمل الاسياخ مرة أخري وقع ثانية ....فما كان من رئيس العمال الا ان قام بإمساكة من ملابسة وأوقفه وقال له بغلظة " احنا ف شغل يا تعمل شغلك زي الرجالة يا متجيش تاني معانا " 
وقال الصبي متلعثما " حاضر يا معلم "
وتركه رئيس العمال وحمل بيد واحدة عدد مضاعف للأسياخ الحديدة بيد واحدة ورماها بين يدي الصبي قائلا " يلا شوف شغلك "
فوقع الصبي  وهو يحمل فوق طاقتة  
هنا حدث ما لم أكن اتوقعه  ...............
قام رئيس العمال بضرب الصبي بركلات متتابعة وهو يصرخ فيه أن يعمل مثل الرجال .....ركلات متواصلة هنا وهناك والصبي لا حول له ولا قوة .... وبقية العمال يشاهدون ما يجري بمشاعر متباينة....ما بين ابتسامة ....واشفاق ....وغضب؟......اولا شيء...؟!!
كنت قد اتيت بمياة مثلجة أخري طلبوها العمال  لان الجو شديد الحرارة 
ولكني ما أن رأيت ما حدث الا ووجدتني أجري ناحية رئيس العمال واخلص الصبي من بين يديه وانا في قمة غضبي  وانفعالي ....
وخلصت الصبي من بين يدية وانا أقول له " حرام كدة المعاملة بالشكل ده حرام ....وبعدين ده طفل صغير يعني ميقدرش يشيل كل ده....؟!! اذا كنت انا مقدرش أشيل ربع الكمية دي ...؟ "
فرد علي رئيس العمال بغلظة " اللي ميعرفش يشتغل ميجيش الشغل ..."
دهشت " ده طفل ....وبعدين اكيد محتاج الفلوس والا مكانش جه يشتغل ويتهان بالشكل ده"
وقلت في بالي " ملعون هؤلاء الاهل الذين ينجبون فقط الاولاد ويتركونهم للأيادي تلتهمهم ..... "
امسكت الصبي بيد ورفعت يدي أهدد رئيس العمال " شوف ده طفل وهيشتغل زي ما يقدر وهتعامله كويس واياك أشوفك تمد ايدك عليه  انت فاهم "
ضحك العمال من كلماتي وأخذوا يسخرون من الصبي  ومني بكلمات ملتوية ...
لكني لم ألتفت لهم الا بنظرة نارية  مستنكرة  ...فكيف لا يشفقون علي الصغير ....أم أنهم مروا بنفس التجربة فأصبحوا ساديين يسعدون بألام غيرهم ...؟؟!!!
ولكن كلامي لم يعجب رئيس العمال فقد وضع يديه في وسطه قائلا " شوفي يا استاذة انت بتبوظي نظام الشغل ....لو سمحتي أنا عارف شغلي ...ولو سمحتي سيبي الولد يكمل شغله...."
قلت بتحدي " أوك هسيبه يكمل شغله ....بس لو مديت ايدك عليه ....هيكون ليا تصرف تاني "
وعاد العمال للعمل ....وعاد الصبي ......عاد ليحمل أضعاف ما كان يحمله من اسياخ الحديد  بصبر وتحمل ....
ولكن رئيس العمال ما عاد  لضربه مرة أخري ....
فرحت أنه لم يضربه.....وكنت اراقبه من وقت لأخر  حتي أتأكد انه لا يضايقه....
في نهاية يوم العمل قال لي رئيس العمال وهو يشير للصبي " علي فكرة يا استاذة .....الولد ده ابني ...." 
وكانت مفاجأة لي ....
فقلت بصوت مهزوز من المفاجأة " ابنك ازاي وانت قاسي علية اووي ....؟؟؟!!"
فقال ببساطة " يا استاذة انا تعبت كتير  وانا صغير وشوفت كتير ....وعايز ابني يتعلم بسرعة ويعرف الشغل والدنيا عاملة ازاي عشان مهما يحصله يعرف يعيش ..."
مصدومة أنا قلت له " يعني انت بتذله وبتهينه وبتضربه  وبتقول بتعلمه ....؟ "
" انا يا استاذة بوديه أحسن مدرسة وبجيب له احسن لبس واحسن لعب وبديه احسن مصروف ....بس هو لازم يدوق المر عشان يعرف حلاوة  العسل ....ويعرف التعب عشان يعرف معني الراحة "
هي نظرية ....بس يا تري صحيحة والا خاطئة ....؟
عندما كان علي وشك الرحيل  قلت للصبي وانا اعطية بعض قطع الشيكولاتة "  هو بابا بيضربك كتير ....؟"
رد وهو يتأمل اغلفة الشيكوتة الملونة " آه دايما....كل يوم علقة ....بس انا بحب بابا وبحب أشتغل معاه....."



خارج الاطار
يثير تساؤلي  من يترك طفله للشارع ....لتلتهمه الايادي
يغمرني شعور بالحنق والغيظ .......لرجل  يضرب طفل صغير يعمل لديه
يثيرني انبهاري...طفل يعمل ليساعد اسرته بكل همة ونشاط وبدون ملل ....
يثيرني هؤلاء الاطفال  الرجال....تحملوا قسوة الأيام وقسوة المجتمع بدون كلل....



 
 

هناك 5 تعليقات:

  1. الحياة قاسية بلا شك
    و يجب ان يتذوق الطفل و يتعلم ان القسوة هي ما تقدمه الحياة
    ارى وجهة نظر الأب سليمة لكن تطبيقها يجب ان ممزوجا ببعض الحنان
    تحياتي لكِ
    كتبتيها حلو

    ردحذف
  2. تفسير الأب وفلسفته غريبة جدا
    لو يعلم ابنه بالحب انه يكون راجل كان هيكون أحسن بكتير

    روووووعة كعادتك
    يسلم احساسك وايديك

    ردحذف
  3. ليس كل ما يلمع ذهبا
    وليس كلما لا يلمع بلا قيمة

    ما زال هناك الكثير قد تبقى لنا
    قبل أن نقول اننا سنرد لهؤلاء اعتبارهم

    فقط عندما نننتهى من بناء دولتنا سيكون لنا جميعا مكان فيها

    تحياتى دوما

    ردحذف
  4. :(

    حقيقى مش لاقية تعليق صحيح انا مع تعليم الاولاد الخوشنة والاعتماد على النفس لان الدنيا مش مضمونة والحياة مش كلها دلع بس مش بل الغلاظة دى صعب

    ردحذف
  5. لو عشتي في دمياط زي حالاتي كدة هتشوفي الموقف ده كتير جدا :)
    بيبقو عايزين الابن يطلع (راجل) وشرب صنعة أبوه.. ماتعرفيش إن كان ده صح وللا غلط.. بس الغريبة إن النتيجة بتكون إيجابية بنسبة كبيرة

    تسلم إيدك

    ردحذف

يا بخت من يقدر يقول واللي ف ضميره يطلعه, يا بخت من يقدر يفضفض بالكلام وكل واحد يسمعه....الله يرحمك يا صلاح جاهين